الاثنين، أبريل 11، 2011

شيخ القبيلة

إن العملية الانتخابية التي نعيشها اليوم لمنصب شيخ القبيلة لهي عملية وتجربة جديدة جاءتنا على حين غرة من دون أن يصاحبها استعداد مسبق. فمنذ اعلان الشيخ استقالته بدأ الحراك في ساحتنا الشبابية ليكون حراكا قويا ، اجتماعات هنا ولقاءات هناك ، هواتفنا لا تكف عن الصياح فتارة نغمة اتصال ورنة رسالة تارة أخرى وكلها تدور حول موضوع انتخاب الشيخ الجديد. ما أود قوله في هذا الشأن إن هذه التجربة ورغم تضخيم البعض لها واعتقاد البعض الآخر بعدم أهميتها وأن منصب الشيخ لا يعدو كونه منسقا للقبيلة أمام الجهات الحكومية وبغض النظر عن نتائج هذه العملية إلا أني أجدها تجربة ممتعة و إيجابية جدا من حيث:

1. احاسسنا وللمرة الأولى أن أصواتنا لها قيمة في تحديد الشيخ القادم .. الأمر الذي يبني على ما سبق تأسيسه من تحديد ممثل واحد لنا للتصويت له في انتخابات مجلس الشورى ويعزز من ثقافة الديموقراطية لدى أفراد القبيلة.

2. أن تعدد اللقاءات مع مختلف الشرائح العمرية قوى علاقتنا بهم و أذاب حواجز التواصل معهم.

3. أنه كان لاحتكاكنا مع الفئات العمرية الأكبر سنا دور في توسيع مداركنا وآفاق تفكيرنا.

4. رؤيتنا لمجتمع حي متفاعل يعمل من أجل هم واحد وهدف مشترك هو اختيار الشخص الأمثل لقيادة و خدمة المجتمع.

5. أن هذه التجربة قضت وبشكل سريع على النقاشات الفكرية والدينية التي كانت حديث الموائد والمقاهي والتي أغلبها ينتهي من دون نتيجة وأصبح الحديث الآن عن المشيخة القادمة وماهي تطلعاتنا منها ..وما هي همومنا وقضايانا التي نتطلع لحلها وتطويرها.

6. أنها علمتنا تقوى الله عند الحديث ونقل المعلومات فكان واضحا إن هناك نوع من التأكد من المعلومات قبل تبنيها أو نشرها.

7. أن الغالبية باتت تركز على ضرورة اختيار الشخص الكفؤ المناسب بغض النظر عن صلة القرابة التي تربطه بالمرشح أو الصداقة التي تجمعه به وهذا ما سينسحب كذلك على استحقاق انتخاب ممثل ولاية مطرح للدورة القادمة لمجلس الشورى.

وقد تكون هناك فوائد أخرى لست مدركا لها الآن ربما سنرى أثرها مع الأيام.

أما نظرتي لشيخ القبيلة فلقد جعلت نصب عيني عندما سأختار مرشحي أن يكون قائدا للقبيلة وليس شيخا لها فقط. فلفظة الشيخ قد ترافقها بعض المفردات من قبيل الكبير في السن أو الوجيه عند القوم أو غيرها ما يجعل البعض أسرى لهذه المفردات. لذا أقول أريد قائدا حقيقيا ، أريد قائدا معطاءا يحفزني على البذل والعطاء ،أريد قائدا ذا نظرة ثاقبة يرسم أهدافا وخططا لتطوير المجتمع ، أريد قائدا حيويا متفاعلا يحرك المجتمع من أجل تحقيق هذه الأهداف ، أريد قائدا يعيش هموم أفراد المجتمع ويشاركهم آلامهم ، أريد قائدا يفتح لي آفاق التطوير و الإبداع ، أريد قائدا حكيما يزن الأمور بوعي وإدراك ، أريد قائدا بعمله أمنحه ثقتي المطلقة ، أريد قائدا يأخذ بيدي إن أنا ضعفت ، ويحتويني ويرشدني إن أنا تجاوزت أو بعدت. أريد قائدا يستمع إلى جمهوره ويتقبل نقدهم وملاحظاتهم. أريد قائدا حقيقيا وليس مجرد مسؤول عن شؤون القبيلة.

.

. أما مهام شيخ القبيلة فأذكر بعضا مما فكرت به بشكل عام:

1. صياغة أهداف واضحة نرجو كقبيلة تحقيقها على المديين القصير والطويل والسعي مع مختلف اللجان لتحقيق هذه الأهداف.

2. التواصل مع مختلف الفعاليات لدى إخوتنا العجم والبحارنة من جهة ومع بقية القبائل من جهة أخرى.

3. العمل بالتنسيق مع المشيخة الدينية على تهيئة علماء دين من أبناء المجتمع.

4. كتابة تقارير سنوية يتم فيها استعراض أحداث ومجريات العام السابق.

5. لكي يستطيع القائد خدمة مجتمعه بالشكل الأمثل عليه العمل على إنشاء وتفعيل قاعدة بيانات كبيرة خاصة بالقبيلة تحوي الكثير من البيانات الشخصية لأفراد القبيلة كالاسم وأرقام الهواتف ومكان العمل والتخصص. ومن ثم القيام بعمل العديد من الإحصاءات الدقيقة لما لها من أهمية في تحديد الأولويات وأنواع البرامج أو الأنشطة التي يحتاج إليها المجتمع.

. نسأل الله أن يجمعنا دائما على الخير والود وأن لا يفرق شملنا أبدا ، وأن يوفق الجميع لخدمة مجتمعنا الحبيب وعماننا الغالية. ودمتم في رعاية الله وحفظه

الخميس، مارس 03، 2011

نحبك ونريد الإصلاح

الكبت وغياب الحريات و التوزيع غير العادل لثروات البلاد والفساد الإداري وغيرها من الأمور هي التي أفرزت ما نراه اليوم من اعتصامات ومظاهرات تعم العديد من الدول العربية التي ثار أهلها على حكامها ولسان حالهم "لقد بلغ السيل الزبى". وما يحدث عندنا في بلادنا الحبيبة لهو نتاج نفس هذه الأسباب والذي دفع بخروج المسيرات الخضراء في العاصمة والاعتصامات التي حدثت في صحار ، مع فارق أننا هنا في عمان نحب سلطاننا وندعو له بالخير العميم و العمر المديد. فالأمن والأمان والاستقرار الذي ننعم به في عماننا الحبيبة والسمعة الدولية الرائعة التي تتمتع بها بلادنا لم تأت من فراغ وإنما أتت نتيجة للسياسات الحكيمة التي كان ولا يزال السلطان قابوس ينتهجها. ولكننا في هذا اليوم نقف وقفة واحدة كعمانيين شرفاء حريصون على مصلحة الوطن واستقراره لنقول لسلطاننا بكل الحب والود والإخلاص: نعم، إننا نحبك ونعتز ونفخر بك .. ولكن ألم يحن وقت الإصلاح يا صاحب الجلالة ؟ الفساد يستشري في المؤسسات الإدارية كالورم الخبيث ، ثروات بلادنا حق للجميع يستأثر بها قلة معدودة ولا يتحصل الشعب إلا على الفتات هذا إن بقي، آلاف الخريجين الذي لا يجدون إلا الشارع ليحتضنهم ، والقائمة تطول يا صاحب الجلالة !!
نبارك الإصلاحات التي أجريتموها يا صاحب الجلالة ونأمل أن تكملوا مسيرة الاصلاحات هذه ،ولكننا نضع أمامها بعض علامات الاستفهام :
1. لماذا تقتصر الإصلاحات بشكل عام على كونها ردات فعل ؟ أليست هي حقا مشروعا لأهل هذا الوطن ؟ لماذا لا تكون الاصلاحات استباقية وليس انتظارا لخروج مسيرات خضراء و اعتصامات شبابية خرجت بعنوان الحب لكم وطلبا للإصلاح في أرض وطنكم ؟
2. لماذا يا صاحب الجلالة لا تعالجون القضايا والمشاكل من جذورها وإنما تسعون إلى ترقيعها و سرعان ما تلبث أن يعود الشرخ إليها من جديد للفساد الذي أصبح مستشريا في الجسم الإداري للمتنفذين ؟
3. يا صاحب الجلالة ..يعترينا الضيق ونحن نسمع من حولنا يقول أن السلطان لم يقم بالإصلاحات إلا بعد حصول تخريب من فئة صغيرة اعتدي عليها فغاب عنها الوعي والفعل الحكيم حتى أن المسيرات الخضراء لم تؤت أكلها كما فعلت تلك الاعتصامات ؟
يا صاحب الجلالة العمانيون كلهم من المعتصمين المطالبين وكذلك السائرين في مسيرات الولاء والعرفان كلهم يحبوك ولا ينكرون فضلك و حكمتك بل ويفتخرون بك قائدا حكيما قد جمع كل القلوب إليه ولا يزايد أحد على ولائهم وحبهم لهذا الوطن الحبيب وقائده الحكيم ولكنهم يقولون لك ..."نريد الإصلاح وقبل فوات الأوان" ، أو كما كتبت بعض الأقلام "معك يا قابوس يدا بيد لنقضي على الفساد".

الثلاثاء، يناير 25، 2011

ويتجدد الحزن

أرفق لكم الفيديو كليب الخاص باللطمية الرائعة "تزوروني" التي تهيج القلوب والمشاعر. هنيئا لزوار الإمام (ع) هذه النعمة التي يعيشونها، وأسال الله تعالى أن لا يحرمني وإياكم زيارتهم في الدنيا وشفاعتهم في الآخرة.
http://www.youtube.com/watch?v=EtgGYjDjvQc&feature=related

وهنا أيضا كلمات هذه اللطمية التي عثرت عليها في أحد المواقع

تزورونــي... تــعــرفـونــي شــفـيـع إلـكـم
أســامــيــكــم ...أســجــلـهـا أسـامـيـكـم
هــلا بــيــكـم يـازواري هـلا بـيـكـم...تـزورونـي
.
وحـق جـف الـكـفـيل وجوده والرايه ...انا وعباس وياكم يمشايه
يـامـن بـعـتـو النفوس وجيتو شرايه...علي واجب اوافيكم ياوفايه
تــواسـيـنـي شـعـايـركـم..تـرويـنـي مـدامـعـكـم
أواسيكم انا وجرحي أواسيكم...هلا بيكم يازواري هلا بيكم...تزوروني
.
هـلا يـالـ مانسيتو ع الوعد تحظر ... اجيت ولا يهمك لا برد لاحر
وحـق دمـعا العقيله وطبرت الاكبر... احظرك مااعوفك ساعة المحشر
عـلـى الـمـوعـد اجـي يـمـكـم ... ولا ابـعـد واعوفنكم
محاميكم وحق حيدر محاميكم... هلا بيكم يازواري هلا بيكم...تزوروني
.
يـاهـل شـايـل الرايه وجاي قاصدني... تعرف رايتك بيمن تذكرني
بـالـقطعوجفوفه وصاح لدركني ... صحت ويلاه ياخويه والظهر محني
كـسـر ظـهـري سـهـم هـجـره ... نـفذ صبري بعد عمره
اوصيكم على الرايه اوصيكم... هلا بيكم يازواري هلا بيكم...تزوروني
.
يـامـن قـاصـد والدمعه تجريها ... اعرف حاجتك مو داعي تحجيها
وحـق نـحر الرضيع الحاجة اقضيها ... يازاير عاهدت كل عله اشفيها
اخـو زيـنـب فـرح بـيـكـم ... هـلا ومـرحـب يـناديكم
يـحـيكم ابو الغيره يحيكم ... هلا بيكم يازواري هلا بيكم...تزوروني
.
زيـنـب مـن تـشـاهـد تـزوروني... تناديكم لون بطف تحظروني
مـاامـشـي يـسـيـره ولا يسلبوني... ولا بسياطهم قدرو يضربوني
تـنـاديـنـي انـا بـحـيـره ... واصـد عـيـنـي لـبو الغيره
ابـجيكم على مصابه ابجيكم... هلا بيكم يازواري هلا بيكم...تزوروني
.
الشاعر السيد عبد الخالق المحّنه


السلام عليك يا أبا عبدالله .. وعلى الأرواح التي حلت بفنائك.. عليكم مني صلوات الله أبدا ما بقيت ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم.. السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.

الثلاثاء، يناير 11، 2011

مذكرات من يرجو قبول زيارته (5) "يوم عاشوراء"

اليوم الخامس: الجمعة 17/12/2010 (10 محرم- ليلة 11محرم)
خرجنا من الفندق قاصدين حرم الإمام الحسين (ع) لصلاة الفجر، دخلنا الحرم الشريف في حدود الساعة الخامسة وكانت الزحمة شديدة جدا لاقتراب وقت صلاة الفجر. كنا نتحرك ببطء شديد ونحاول تفادي العصر والسقوط لتدافع بعض الزوار ومحاولة الجميع البحث عن مكان للصلاة. صدحت منارات الحرم بالأذان وجرت معها دموعنا على الخدود فهذا يوم عاشوراء قد أتى لتتجدد معه المصيبة والفاجعة. بعد أن انتهينا من الصلاة حجز كل منا مكانا نترقب فيه دخول مواكب التطبير، وتحصلت على مكان مناسب يمكنني من رؤية المواكب وهي تدخل. وأثناء انتظارنا استرجعت كل ما تحدثنا به وشاهدناه وصادفناه عن التطبيرالذي احتل مساحة واسعة من الحديث الدائر بيننا نحن الش
باب ومن أول يوم وقبل أن نركب الطائرة بدأنا نتحدث عن التطبير و هل ستحضر عزاء التطبير وغيرها من الأحاديث المتعلقة بالتطبير. ولما أن وصلنا كربلاء فوجئنا بالكم الكبير من الشعارات والمقولات التي تملأ الساحات والطرقات والتي تنتمي إلى هيئات ومنظمات ومدن وقرى وغيرها التي تتحدث عن التطبير ورفعة شأنها وعظيم منزلتها وآراء بعض من مراجعنا العظام فيها. لا تبرز هذه الشعارات واللافتات أهمية ومنزلة التطبير وحسب بل تؤكد على أن التطبير ثقافة راسخة عند العراقيين. أما ليلة عاشوراء فأثناء المشي من وإلى الحرمين رأينا الجموع الكثيرة التي تشحذ وتسل سيوفها حتى تكون جاهزة للعزاء والمواساة في صبيحة يوم عاشوراء وقد علمنا كذلك أن بعض الأباء يدفعون أموالا لأولادهم حتى يشجعوهم على هذا العمل. هكذا كان جو ما قبل التطبير في كربلاء ما جعلنا نصمم على ضرورة حضور ومشاهدة هذا العزاء الحسيني وفي حرم الإمام الحسين (ع) حيث قيل لنا أن الحماس وضرب القامات داخل الصحن يكون أشد مما هو عليه في خارجه. ها هي أصوات الطبول بدأنا نسمعنا فتوجهت العيون كلها صوب الباب وبدأ دخول المواكب في حدود الساعة السادسة والربع. دخل الموكب وكأنها الحرب فصوت الطبول المهيب واحمرار إضاءة الحرم ومشاهدتك للأعداد الكثيرة والكثيرة من المطبرين وهم يرتدون اللباس الأبيض الموحد مرخصين دماءهم من أجل صاحب هذا اليوم وهم يصيحون "حيدر..حيدر" كلها أمور تبعث فيك رهبة القتال والحرب. كنت أراقب المطبرين عن كثب فهناك من يضرب ضربات خفيفة وهناك من يبدو أنه صاحب تاريخ طويل في التطبير من طريقة وقوة ضربه، لكن أهم ما لاحظته أن الكثير منهم عندما يدخلون من الباب مواجهين لضريح الإمام الحسين (ع) وبعد أن لطخت وجوههم وملابسهم بالدماء يرفعون كلتا يديهم يسلمون على الإمام (ع) في مشهد رهيب فتخيلتهم يقولون" السلام عليك يا أبا عبدالله .. ها نحن جاهزون بسيوفنا ودمائنا التي أسلناها نجدد العهد بك و نلبي نداءك يوم عاشوراء ". كان بجانبي أحد الشباب العراقيين يشاهد العزاء بعين تملؤه الحسرة والأسى فسألته لماذا لا تطبر؟ فأجابني ودموع الحزن تجمعت في مقلتيه: لقد أصبت بمرض السكري منذ ثلاثة سنوات ولهذا لا أستطيع المشاركة في هذا العزاء. حقيقة كانت دقائق عجيبة وأنا أشاهد هذا العزاء لأول مرة وهي مشاهد لا تستطيع الذاكرة نسيانها. مرت حوالي نصف ساعة ونحن نشاهد المواكب تلو المواكب التي تدخل الحرم عدنا بعدها إلى الفندق لنرتاح قليلا استعدادا لبقية الشعائر.
استمعنا إلى زيارة عاشوراء في الفندق بصوت سلمان الدرازي وبعدها صلينا الظهرين ثم خرجنا متوجهين إلى ناحية المخيم الحسيني لنحضر مسرحية حرق الخيام. وصلنا إلى ساحة كبيرة قد عجت وغصت بجموع هائلة من الزوار نساءا ورجالا ، حتى أسطح البنايات و الجدران الاسمنتية المنتشرة وأعمدة الكهرباء والرافعات كلها امتلأت بالناس انتظارا وحرصا منهم على مشاهدة هذه المسرحية. ولهذا الزحام الشديد لم نستطع الحصول على مكان قريب يمكننا رؤية تفاصيل المسرحية، و رضينا بمكاننا البعيد الذي لا نرى منه سوى الخيمة الكبيرة التي نصبت لهذا الغرض. أما مقدم المسرحية فكان يوصي الجموع الغفيرة بالتراجع إلى الوراء ما أمكن لأن قدوم الخيالة سيكون سريعا جدا والنار ستكون كبيرة ولا توجد حواجز اسمنتية تفصل أرض المسرحية عن المتفرجين ولذا فإمكانية أن يتضرر المتفرجون كبيرة ، وكان يكرر المقدم هذه التوصية والتحذير ولكن من دون فائدة. وفجأة جاء الخيالة وحاولت حينها استشعار الواقعة لكني لم أتمكن لصعوبة النظر إلى ما يجري، ولكن القلوب انفطرت لما أن شاهدنا رأسا محمولا قد أتى على رأس رمح طويل وبعدها تم حرق الخيمة الكبيرة وهنا كانت مصيبة أخرى. كان من المفترض عند حرق هذه الخيمة أن تسقط بشكل عمودي ولكننا رأيناها تسقط وتزحف بطريقة غريبة ومخيفة حاملة معها النار العظيمة و هنا تراكض الجميع وهرب خوفا وهلعا من النيران التي دخلت في الناس وقد رأيت بعيني سقوط عشرات النساء اللاتي كن يقفن على إحدى المرتفعات نتيجة لهذا التدافع في الهروب. ولاحقا عرفنا سبب هذه المشكلة كما تحدث عنها أحد أفراد الحملة الذي كان قريبا من الأحداث وهو يقول أن حافر أحد الخيول حمل معه دون أن ينتبه الفارس حبلا من الحبال التي كانت تشد بها الخيمة ولهذا سقطت الخيمة و زحفت بهذه الطريقة المخيفة، يقول صاحبنا رأيت الخيل والنار وهي تجري نحوي ولكن بستر من الله تعالى استطعت الهروب من هذا الموقف الفظيع. فيا سبحان الله لم أستطع ـوكذلك بعض الشباب ـ استشعار الواقعة بهذه المسرحية ولكن هذا التدافع والهروب المريع الذي جاء نتيجة خطأ غير مقصود هو الذي جعلني استشعر وبكل حزن ولوعة هروب الأطفال والنساء من آل محمد لما أن أحرقت خيامهم. انتهينا من هنا وتحركنا قاصدين الالتحاق بعزاء "ركضة طويريج" المهيبة، ومشينا بين الأسواق والأزقة إلى أن وصلنا إلى ال
عزاء والتحقنا مع هذا البحر البشري الهادر الذي يصرخ ويهتف "يا حسين .. يا حسين" وهنا تفرق جمعنا رغما عنا فأصبحنا ثلاثة ثلاثة وإثنين إثنين. اقتربنا من الحرم الحسيني الشريف وكان المنظمون يدخلون فوجا ثم يمسكون ثم يدخلون آخر ثم يمسكون حتى يكون هناك مجال للهرولة والركض عند دخول الحرم. دخلنا الحرم الشريف من باب الرجاء، دخلنا ونحن نركض ونلطم على رؤوسنا، نتذكر مقولة الإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء :" ألا هل من ناصر ينصرنا ؟ ألا هل معين يعيننا ؟ ألا هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله (ص)" فنهتف بصرخات تخرج من أعماق قلوبنا "لبيك يا حسين.. لبيك يا حسين..لبيك يا حسين".
ثم خرجنا من الحرم إلى طريق بين الحرمين قاصدين أبا الفضل بهرولتنا ونحن نردد الهتافات التي تصدر من مكبرات الصوت "يا عباس جيب الماي لسكينه" "وا ويلي على العباس .. وا ويلي على العباس" ودخلنا حضرته الشريفة لاطمين رؤوسنا وصدورنا لينتهي العزاء عند خروجنا من باب الحضرة حيث كان المنظمون يوزعون الماء على المعزين. لقد انتهيت من هذا العزاء ولكن العزاء لم ينته فهناك الكثير من الزوار الذين لا يكتفون بركضة واحدة وإنما يكرروها مرة واثنتين وحتى ثلاثة. وأحب أن أرفق لكم هذا الرابط الذي فيه تصوير لهذا العزاء هذه السنة
http://www.youtube.com/watch?v=hiWM8r7F79c .
كان وقتنا ضيقا فكان لابد لنا من العودة إلى الفندق للغداء ثم التوجه إلى الحسينية الفاطمية حيث سيقرأ مجلس الزوال في الساعة الثالثة وذلك في حضور كل الحملات العمانية. عدنا إلى الفندق وتم إخبارنا بإلغاء مجلس الزوال في الحسينية وذلك لظروف طارئة – اكتشفنا لاحقا أن المجلس لم يلغ لكن لم يكن هناك تواصلا جيدا في هذا الخصوص- فقرأ لنا ملا علي مصطفى مجلس الزوال ثم خرجنا جميعا حتى نلتقي مع بقية الحملات لأجل تحرك موكبنا العماني الذي كان موعودا بدخول العتبة العباسية في حدود الساعة 4.30 عصرا. تجمعنا مع بقية الحملات عند باب الحسينية الفاطمية ثم انطلق موكبنا ليوم عاشوراء بلطميات حزينة شارك فيها أخونا حسين خابوري ببعض اللطميات والذي شارك في كل الليالي السابقة ثم ونحن واقفون أمام باب الحرم العباسي قرأ لنا حجي كمال محمد وحسين مرتضى لطمية "ذو الجناح" بأصواتهم الشجية الحزينة ثم دخلنا حرم أبي الفضل على بعض النوحيات الحماسية "سقاء وادي كربلا .. أبا الفضل" و "بوفاضل نادى خويه يا مولاي" وأنظار المتواجدين في الحضرة تتوجه لترى هذا الموكب الموالي القادم من سلطنة عمان. ثم ملئ وقتنا في طريق بين الحرمين بنوحية "جسم الحسين" ونوحية قرأها أحد الأطفال من خريجي مأتم أطفال الحسين (ع)ثم دخلنا حرم المولى أبي عبدالله (ع) على نوحية "هالله هالله حسين وينه ..." فازدادت شدة لطم الصدور وعيوننا تلاحظ المرقد المقدس ثم نوحية "زينب تبكي تنادي .." ثم وقبل خروجنا من الحرم آثرنا إلا أن نودع بلطم الصدور والرؤوس كما نفعل في ليلة وزوال يوم عاشوراء والهتافات "حسين..حسين..حسين" "هذا الوداع يا حسين .. ودعتك الله يا حسين" "أبد والله يا زهراء ما ننسى حسيناه". بعدها توجه الموكب صوب التل الزينبي وصادق جعفر يرغم القلوب قبل العيون على البكاء الشديد وهو يقرأ نوحية "هذه الشمس تبكي بالكسوف" بذلك الصوت الحزين الذي ترق له القلوب فتخرج الدموع غزيرة دونما استئذان. بعدها قرأت نوحية "زينب تنادي يا جد طه". ولاقتراب وقت أذان المغرب توجهنا صوب المخيم الحسيني وهناك انتهى الموكب وعادت الحملات كل إلى برنامجها المستقل. صليت العشاءين في المخيم وأشعلنا الشموع هناك علنا نستطيع أن نواسي الحوراء زينب التي مرت عليها ليلة الحادي عشر من المحرم كأظلم وأوحش ما تكون. وبهذا انتهى برنامج يوم عاشوراء الذي لا ولن تنتهي آهاته وآلامه أبدا بل ستظل حية تنبض في قلوب المحبين والعاشقين والثائرين تغذيهم وتشحذ من هممهم وتذكرهم بالدروس والعبر والأهداف التي من أجلها ثار سيد الشهداء ولهذا تبقى هذه المقولة خالدة ما خلد الدهر "كل أرض كربلاء.. وكل يوم عاشوراء"

الجمعة، يناير 07، 2011

مذكرات من يرجو قبول زيارته (4)

اليوم الرابع: الخميس 16/12/2010 (9 محرم – ليلة 10 محرم).
يوم تاسوعاء يوم علي الأكبر ، استمعنا إلى مجلس حسيني ومصيبة شبيه رسول الله (ص) للملا علي مصطفى. بعدها صلينا الظهرين في حرم الإمام الحسين (ع) وقبل أن نعود إلى الفندق شاهدنا تجمعا كبيرا لخدمة الحرم الشريف عند ساحة باب القبلة استعدادا منهم لمراسيم خاصة يبدو أنهم يقومون بها بشكل يومي. وعند الساعة الثانية بدأت هذه المراسيم بتلاوة آيات من القرآن الكريم وبعدها زيارة الإمام الحسين (ع) بشكل جماعي وانتهاءا بالنشيد الخاص بالحضرة الشربفة "نداء العقيدة" وإليكم رابطا يحكي هذه المراسم.

http://www.youtube.com/watch?v=6CXY4gJUxNk&feature=related&feature=related

أدينا صلاة العشاءين هذه الليلة في الحسينية الفاطمية التي تجاور حرم أبي الفضل العباس (ع) وذلك للبرنامج الباكر لموكبنا (أهالي سلطنة عمان). فقد كان ترتيب موكبنا الثاني من إجمالي مواكب وكان موعد دخولنا حرم قمر العشيرة الساعة 6.30 ولهذا كان لابد لنا من الصلاة في مكان قريب من الحرم. انطلق الموكب الذي كان موكبا مهيبا اجتمعت فيه كل حملاتنا: إكرام، والعهد، والمودة، والمعراج،والسلام، والكوثر، والهادي وفي تقدير بعض الأخوة وصل العدد إلى 350 شخصا.. كان تحرك الموكب هذه المرة تحركا سريعا نوعا ما لكثرة المواكب التي قدمت للعزاء. خرجنا من حرم أبي الفضل لنسير وسط الجموع الغفيرة التي غصت بها ساحة بين الحرمين ، و كان المنظمون يؤكدون علينا بأن لا نسمح بدخول من لا نعرفه إلى موكبنا كإجراء أمني. قبل دخولنا حرم المولى (ع) طالعتنا رسمة كبيرة علقت على جدار الحرم تصور مصيبة الطفل الرضيع صاحب هذه الليلة فدخلنا الحضرة الشريفة ودموع الحزن والأسى هي العنوان و الإضاءة الحمراء التي تملأ الصحن الشريف تزيد من احساسك للمصيبة وتشعرك بالهيبة والخشوع. وكم كان رائعا لما ارتقى المنبر ملا علي مصطفى وسط الجموع الغفيرة وسماعات الحرم تصدح بنوحية "اتمسك بالحسين" حتى أن الزوار العراقيين الذين تواجدوا على مقربة منا شاركونا في هذا العزاء فكان الجمع المهيب والعزاء الرائع بجانب الإمام العظيم والأب الرحيم. لم نطل كثيرا فكان خروجنا من الحرم وانتهاء موكبنا في حدود الساعة الثامنة والنصف. عادت كل الحملات إلى فنادقها واختتمنا برنامج حملتنا لهذه الليلة بمجلس حسيني يحوم حول مقتل الإمام الحسين (ع).
قرر بعض الأخوة الذهاب والمبيت في حرم الإمام الحسين (ع) هذه الليلة للثواب العظيم الذي يرجى من المبيت عند الإمام (ع) ليلة العاشر من المحرم. وقد قال لي أحد الأخوة الذي وفق لهذا الأمر أن الذي رآه وشاهده ليلة العاشر من المحرم جعله يتمنى أن يكون هنا عند الإمام في كل عاشوراء. كان يصف لي حال المواكب وهيبتها، إلى أن وصل في وصفه إلى مواكب التطبير. يقول كانت هذه المواكب تترى ، ولم يكونوا يطبرون وإنما يدخلون الحرم على وقع الطبول وأصوات السيوف التي تهز المكان هزا. يقول صاحبي إن صوت الطبول والأبواق واصطكاك السيوف وطريقة دخول هذه المواكب واللون الأحمر الذي يلف المكان كلها أمور جعلتني استشعر الرهبة و جو الحرب والمعركة وأن القتال في صبيحة يوم عاشوراء قادم لا محالة.. يقول كان شعورا رهيبا بحق. ثم يصف كذلك أمورا أخرى يقوم بها المعزون المحبون والتي رآها وهي عجيبة على حد قوله. أما نحن (أنا ومجموعتي) فقد بتنا في الفندق حرصا منا على النهوض باكرا ومواكبة أحداث يوم عاشوراء أولا بأول.

الثلاثاء، يناير 04، 2011

مذكرات من يرجو قبول زيارته (3)

اليوم الثالث: الأربعاء 15/12/2010 (8 محرم- ليلة 9 محرم)
(1)
وأخيرا نحن في كربلاء !!
نعم هكذا كان لسان حالي في صبيحة هذا اليوم. فالليلة الأولى وصلنا كربلاء قبيل منتصف الليل واليوم الثاني كان نصفه في الطريق إلى ومن سامراء ، واليوم هو اليوم الأول الذي تسطع فيه الشمس وأنا في كربلاء. أحاسيس غريبة ومتناقضة أشعر بها تعتريني وأنا أمشي بين جموع الزوار الذين قدموا لتعزية الإمام (ع). فمن جهة سعيد بما أنعمه الله علي من نعمة التواجد في هذه البقعة الطاهرة خصوصا عندما استحضر في نفسي أن ملايين المحبيين قد حرموا منها وأن الله تعالى قد أنعم علي ووفقني لأن أتشرف بالعزاء بجوار سبط رسول الله (ص)، ومن جهة أخرى تكاد عبرتي تخنقني وأنا أحاول أن أذكر نفسي بأن الأرض التي أمشي عليها هي نفسها الأرض التي لم تراعى فيها حرمة لرسول الله (ص) ولا لأهل بيته فقتلوا عطاشى و ماء الفرات يجري إلى جانبهم. حقيقة عندما تنظر إلى بعض الرسومات التي رسمت لتوصيف أرض المعركة وتجدها معلقة على كثير من المحلات وبعد أن عرفت أماكن أغلب هذه المقامات وتبدأ برسمها في مخيلتك ستجد أنك لن تتمالك نفسك بالبكاء الشديد لأنك حينها ستشاهد المعركة بقلبك. فأنت الآن تعلم أين كانت المخيمات ومن أين انطلق شهداء الطف يستأذنون الإمام في القتال، وأنت الآن تعلم من أين انطلق قمر العشيرة ليجلب الماء إلى اخته وعزيزته فخر المخدرات زينب، وستعلم كم كابد من ألم ليحاول الوصول إلى المخيم ولأجل ذلك قطعت كفاه اليمنى واليسرى اللتان عرفت مكانهما، وستعلم أين وقفت عقيلة الطالبيين تنادي أخاها الحسين (ع) , وستشعر كذلك رغم برودة الجو في هذه الأيام ستشعر بهجير وحرارة شمس ذلك اليوم المليء بالمصائب والنوائب التي جعلت فؤاد محمد محزونا. فهنيئا لكل من ذرف دموع الحزن والأسى على مصاب أبي عبدالله الحسين (ع).
(2)
أما الشوارع والأماكن التي تحيط بالحرمين الشريفين فقد كانت تنبض بالحركة والحياة. فشعارات عاشوراء قد ملأت الساحات والجدران والأعمدة وجميعها تلهج بتلبية نداء الإمام (ع) يوم عاشوراء وتعزية ومواساة لمولانا صاحب الزمان (عج) فتلهب فيك حماسة العزاء وحرارة تجديد العهد والولاء. كذلك تجد المآتم التي نصبت على جوانب الطريق تقرأ فيها المجالس والقصائد على مدار اليوم، وتجد آخرين في أماكن مختلفة تعاهدوا على إكرام وفادة الزائرين بتوفير وجبات الغداء والعشاء بشكل يومي فترى بعضهم وقد جلبوا معهم كمية كبيرة من الأحطاب لإعداد الطعام وكذلك الخراف التي جلبوها ليذبحوها ويعدون منها زاد الإمام في الليل ليكونوا جاهزين لتوزيعها على الزوار حبا في الحسين (ع) وينادون في الناس بكل حب "حبيبي ..زاير.. تفضل.. زاد الإمام" فترى الخط الطويل الذي ينتظم رغبة من الزوار في التبرك بهذا الطعام من دون أن يتعدى أي أحد دوره ويتجاوزه. طبعا اصحاب الشاي الأحمر لهم مساحاتهم كذلك يخدمون فيها الزوار بتقديمهم الشاي طوال اليوم وعباراتهم الجميلة "عيني.. زاير.. الله يحفظك ..آغاتي .. بفرما" لا تفارق ألسنتهم فكلهم وجميعهم من أصحاب المآتم ومعدي الطعام وموزعي الشاي وغيرهم ينطلقون من هدف واحد و شعار واحد وهو"خدمة الزوار شرف لنا ووسام على صدورنا"، فهنيئا لهم هذا الشرف ونسأل الله عزوجل أن يكتبنا في سجل خدام زوار وأحباء الحسين (ع).
(3)
في صبيحة هذا اليوم استقبلنا قبيل وقت الظهر الزوار الذين باتوا في البحرين اضطرارا وعلمنا من صاحب الحملة أن باصهم كان الوحيد أو على الأقل كان من الباصات القليلة التي سمح لها بالوصول إلى الفندق فهذا يوم الثامن ولا يسمح فيه بدخول المركبات إلى كربلاء (لا أعلم المسافة من بعد منطقة الوقوف إلى الفندق) فلم يدخل إلا هذا الباص وكان على البقية المشي للوصول إلى فنادقهم. أتى وقت الصلاة وتوجهت إلى الحرم الشريف المزدحم بالناس انتظارا منهم لوقت الصلاة. حقيقة لم أتحصل على مكان للصلاة فوقفت جانبا انتظر انتهاء الجماعة حتى يغادر المصلين، وبعدها صليت الظهرين ثم جلست استمع إلى محاضرة حسينية ألقاها أحد المعممين السادة عند باب الزينبية. بعد صلاة العشاءين استمعنا إلى مجلس حسيني للملا علي مصطفى ولطمية لسلمان الدرازي.وفي الأثناء كذلك وصل آخر فردين من أفراد الحملة بعدما أن جلبتهم دورية شرطة من عند المكان الذي لا يسمح بعده بعبور السيارات. أما موكب هذه الليلة فقد كان أكبر وأفضل خصوصا مع مشاركة أخينا حسين مرتضى الذي أضاف الكثير من الهيبة للموكب بصوته الشجي إضافة إلى ملا علي مصطفى والرادود سلمان الدرازي وكما انتهى موكب ليلة أمس بعزاء الحلقة في حرم المولى أبي عبدالله انتهى هذا الموكب كذلك مع فارق أن القائمين على الحرم أعطونا السماعات الخاصة بالحرم لنستعملها في الحلقة واختتمها إخواننا الأعزاء علي مصطفى وعمار تقي. بعدها تفرق الجميع وشاركت في العزاء العراقي المهيب الذي لا تهدأ أصوات لطم الصدور فيه فالكل في حماسة العزاء عند الإمام (ع) ، ولما انتهى العزاء زرت الإمام (ع) ثم عدت إلى الفندق بانتظار جديد الأحداث في الأيام القادمة.