الأحد، نوفمبر 26، 2006

يوم من حياتي


(1)
ياالله ! ... ما أحلاها من لحظات ، كنت قد أنهيت وجبة غدائي "كبسة دجاج"، ودفعت الحساب ثم نزلت درجات السلم متوجها لباب الخروج عائدا إلى مقر عملي ، وأنا أدفع باب المطعم للخروج وإذا بي أمام ظاهرة عجيبة وجميلة جدا .. رياح باردة جميلة تخيم على المكان وتلف كل جسدي ممزوجة بأمطار خفيفة تشعرك بعظيم الرحمة الإلهية. كان شعورا عجيبا بحق كأن الشمس أرادت أن تستريح قليلا ، فجاءت تلك السحب وكانت بيضاء وأشاعت البهجة والأنس في كل نفس. تباطأت في سيري نحو المكتب حتى استمتع بسحر الطبيعة هذا -مع أني كنت متأخرا قليلا-. عدت إلى المكتب ونفسي ذهبت حسرة على مجافاة هكذا جو رائع. وأنا في المكتب أفكر في برنامجي لهذه الليلة، كنت أحس بصداع عنيف كوني لم أنم جيدا في أيامي الأخيرة وفي الوقت نفسه كان هوى نفسي في مباراة تبدأ الساعة السادسة أي بعد الصلاة مباشرة، وقررت أخيرا أن أشاهد المباراة. انتهى وقت الدوام خرجت من المكتب ، وأنا متشوق لبرودة الهواء التي استقبلتها بكل لهفة ، وفي أثناء سيري إلى السيارة كنت أخاطب نفسي .. الجو جميل جدا وأنت يا منتظر تحب المشي في جو بارد كهذا ، أوَ تستغني عن هذا الجو البديع لأجل مباراة ؟؟ .. بدأت أقلب هذا التساؤل في ذهني .. وأقنعت نفسي به خصوصا عندما قررت أن أتمشى على الكورنيش (كورنيش أبوظبي) الذي يمدحه جميع من زاره ولأنها ستكون المرة الأولى لي ، وهي أيضا فرصة جيدة للتعرف على المكان والتسويق له لاحقا. أدرت محرك السيارة وذهبت إلى حلاقي الخاص ولما فرغ هو من حلاقة ذقني عدت إلى المنزل وانا أفكر في هذه الفكرة الجميلة "المشي على الكورنيش". صليت العشاءين وغيرت ملابسي وخرجت متوجها إلى الكورنيش.

(2)
قدت السيارة وأنا متلهف للمشي على الكورنيش لاستنشاق ذلك الهواء البارد النقي وأيضا لاستكشاف هذا المكان الممدوح كثيرا. كنت سعيدا جدا لاتخاذي هذا القرار الذي أثر إيجابا على مزاجي فأنا من الذين يهوون الخروج والمشي في الهواء البارد. ركنت السيارة في الشارع المقابل للكورنيش لعدم وجود مواقف خاصة بالكورنيش ، ومشيت للوصول إليه. كان لابد من المرور بنفق المشاة والذي كان يمر تحت الشارع الرئيسي حتى أصل إلى الكورنيش على الجهة المقابلة. كان النفق بطول 200 متر تقريبا وهو مزدان بنقوش وزخارف جميلة تسر الناظرين .. فقط عيب النفق الوحيد.. الحر الذي يصيبك وذلك لعدم معرفة الرياح الباردة بوجود هكذا مكان وإلا لزارته. عموما سرت في النفق إلى أن وصلت إلى الجهة المقابلة ... ووطئت قدماي أرض هذا الكورنيش لأول مرة. مكان أقل ما يقال في حقه أنه جميل و بديع ، فقد تمازجت الطبيعة الخلابة مع الحداثة لتنتج لنا معلما تهفو إليه النفوس. كورنيش جميل ممتد لمسافة طويلة قسم بطريقة رائعة فاللون الأخضر يجتذب عينيك سريعا ... ومقاعد الجلوس كثيرة وهي موزعة بنسق جميل مع إضاءة خافتة هادئة تشعرك بدفء المكان رغم برودة الجو. قبل أن أبدأ المشي .. انتحيت لنفسي ركنا على الكورنيش ... نظرت من حولي ، كنت وحيدا في تلك البقعة... تأملت البحر بكل هدوئه وجماله .. أفكر فيه.. وفي الأثناء تطل علي تلك الريح الباردة ... لتحتويني وتشعرني بالقشعريرة ، لتخبرني بأن وراء هدوء هذا البحر أسرار غامضة .. مع هدوئه فهو يرهبك رغما عنك ، ويشعرك بضعفك وعجزك الشديدين أمام الجبروت الأعلى .. حينها أغمضت عيني تصفحت الصفحات السوداء في حياتي .. كانت لحظة خرجت فيها من عالم الماديات إلى عالم الأرواح .... يا ويلي ... كم هي كثيرة ذنوبي وخطاياي ... جلست أعد الذنوب التي اقترفتها ... والمعاصي التي ارتكبتها .. وانا أتساءل يا ترى .. أهناك جارحة لم أعص الله تعالى بها؟؟ ... بكيت كثيرا على نفسي ... العمر ينقضي وأنا ألهث وراء لذة فانية. رب يا رب لم أعصك تجرأ مني عليك ولا لعدم خوفي من عقابك ... ولكن خطيئة سولت لي نفسي باقترافها فتجاوزت بها حدودك ... رب يا رب إن كان عمري مرتعا للشيطان فخذني إليك ... غفرانك يا رب .. أنت أملي ورجائي .. فاصفح عن عبدك الجاهل .. وجد عليه بجودك ... رب يا رب إنك تحب العبد إذا آب وعاد إلى حماك ... وها أنا ذا قد عدت إليك ولذت بحماك.. فتفضل علي بعفوك ... يا أرحم الراحمين. أحسست بخفة في جسمي وكأن حملا ثقيلا قد أزيح عنه ، جففت الدموع التي سالت على وجنتي، وأنهيت حالة الخلوة الرائعة والدقائق الذهبية التي عشتها مع الباري جل وعلا .. ثم بدأت في المشي على الكورنيش. كنت أتنفس هواء باردا نقيا ... جدد الدماء في عروقي، وبعث في نشوة عجيبة أزاحت ما كنت أحس به من صداع. كنت مستمتعا بالمشي كثيرا جدا ... ومستمتعا كذلك بمشاهدتي لمختلف شرائح الناس وقد أتوا للترويح عن أنفسهم للخروج من زحمة الدنيا .. ترى شبابا أتوا يضحكون ويتسامرون .. وفي مكان آخر مجموعة فتيات قد ابتعن وجبة العشاء وأبين إلا أن يأكلن معا على أنغام أمواج البحر وعذوبة الرياح .. أتابع المشي فأرى من يمارس تمارينه الرياضية ، وآخر يتمشى مع طفله الصغير وهو يلاطفه. طفل آخر كانت متعته في أن يقود دراجة بأربعة عجلات وهو يصدر أصواتا جميلة لتنبيه المارة ..بدأت الرياح تشتد قليلا ودرجة البرودة تزداد ولكن الدفء عاد إلي وانا أرى زوجين يجلسان معا على إحدى المقاعد الكثيرة المنتشرة وهما يبتسمان و يتمتمان بصوت خافت .. أسرعت في خطاي حتى لا أفسد عليهما خلوتهما الجميلة. من المشاهد الجميلة التي رأيتها مشهد ذلك الرجل الذي جلس وحيدا مقابل البحر وهو يدخن سيجارة بهدوء وباستمتاع وكأنه ملك يشاهد ويتابع مملكته الكبيرة .. بل أن الأروع والأجمل هو رؤيتي رجلا كان يجلس وحيدا أيضا مقابل البحر الكبير واضعا خده على كفه وبجانبه المذياع وهو يستمع إلى أغنية من الزمن القديم وكأنه ليس من هذا الزمن ولا من هذا الكوكب ، كنت أنظر في عينيه .. فأراه متأملا البحر وكأنه صافي الذهن لا هم عنده يؤرقه ولا غم لديه يعكر صفو حياته ، كان يبدو سعيدا جدا بما يقوم به وقد نسي الدنيا وما فيها. كنت أحس بمتعة حقيقية بما أشاهده أثناء المشي ... فضلا عن كوني مستمتعا بالمشي في الهواء البارد ... ولكن بقدر المتعة التي أحسست بها ,,, بقدر ما أحسست بالوحشة والاشتياق لأهلي وأحبتي .. تمنيت أن يشاركوني هذه اللحظات الجميلة فأن ترى السعادة مرتسمة على من يشاركك هي سعادة حقيقية تفوق السعادة التي تحس بها لذاتك ، ولكن ما باليد حيلة .. هي حياة نخوض غمارها ونسبر أغوارها ، لتمحصنا تمحيصا. عدت أدراجي وأنا كلي أسف لتوديعي هذا الجو البديع وتلك المشاهد الجميلة ، لكني كنت فرحا مسرورا لأني رميت عن كاهلي هموما ثقيلة لم أكن لأجعلها وراء ظهري لولا هذه الفسحة الرائعة. عدت مسرعا فقد كنت على موعد مع مباراة مانشستر يونايتد وتشلسي وتصبحون على خير.