الخميس، أبريل 01، 1999

لحظة تأمل

تسلل من بين أوراق الشجر، وصل إلى نافذة حجرتي ، طرق الزجاج ، لم أعره اهتماما ، نفذ من خلال الزجاج وجاء يدغدغ وجهي ، فاستيقظت لأرى أحلى فرقة ، تعزف أحلى موسيقى ، تعزف سمفونية الأمل ، تبعث في النفس الراحة والطمأنينة ، وتشعرها بالدفء وحب الحياة.
صحوت أرى الجميع يدب نشاطا ، رأيت النحل يتنقل من زهرة إلى أخرى، يرتشف من رحيقها قطرات تنتج أحلى غذاء ، أحلى دواء ،ثم يعود ليلقي بها في خلاياه السداسية، رأيت الأرض ترجف ، تهتز من وقع أقدام النمل ذلك الجيش الجرار الذي يخرج باحثا عن رزقه، رأيت الأزهار ترقص مع الشمس ، تتفتح لتنشر عبيرها عبيرها وسط الناس ،رأيت منظرا ما أروعه ، رأيت حمامة بيضاء تحط على عش لها تتقافز صغارها نحوها ، تخرج من فمها دودة لتضعها في فم صغارها، يا لروعة خلق الباري عزوجل.
وبينما أنا كذلك، ودون سابق إنذار، سكن كل ما حولي للحظات ، ثم بدأت الحركة بالتراجع عكسيا كما بدأت ، وجاءت غيمة سوداء حجبت نور الشمس ، عاد النمل إلى جحره ، وعاد النحل إلى خليته ،واتخذت الأزهار من أوراقها وشاحا يحميها من الخطر القادم، لجأت العصافير إلى أعشاشها، أطل كل منهم بنصف رأسه يترقب ما سيحدث ،وفجأة صفرت الريح صفارة البداية، برقت السماء، ارتجت الأرض بدوي الرعد، هطل مطر غزير، هبت رياح عاتية وكأنها مسابقة لإبراز القوة والعضلات، شب حريق هائل إثر صاعقة أصابت إحدى الأشجار،فاضت السدود وتحولت المدينة إلى بحر تسير فيه السيارات دون قرار، اقتلعت الريح الأشجار والأعمدة وألقتها على الارض لتثقبها قطرات المطر التي أصبحت سهاما تنغرس في صدر كل من يعترض طريقها، وأصبح كل شخص يجعل يديه على أذنيه من شدة دوي الرعد الذي أصبح يصم الآذان وفي غمرة هذه الأحداث سقطت من على سريري وفقدت الوعي.
استيقظت وقد انقشعت الغيوم وعاد ضوء الشمس، هدأت الريح، توقف المطر ، خرجت لأرى ما حدث أثناء فقداني لوعيي ، كانت قطرات العسل تصب في الأرض بعد أن مات صانعوها، جيش النمل العظيم كان ملقى على الأرض بلا حراك، كانت الأزهار ملقاة على الأرض تنزف دموعها البيضاء بغزارة، ثم سرت هنا وهناك ودموع الحزن تجري على خدي ،وفجأة لمحت شيئا فمشيت ناحيته، لم أتمالك نفسي ، انفجرت بالبكاء وانا أرى صغار الحمام تزقزق بجانب أمهم التي تحتضنهم والتي رحلت لأجل بقائهم ، لكن هذه الزقزقة تحولت إلى صوت حزين يبكي بحرقة واسى ويندب فراق سر وجوده وبقائه طول حياته بقلب معذب.