كلما تحدثت عن وادي شاب أشعر وكأني أتحدث عن حبيب ومعشوق أشتاق لأن أكون بقربه وجواره. فعباراتي وانفعالاتي كلها تنطق بهذا الحب والعشق لهذا الوادي الجميل. وأعتقد أن كل من يزور وادي شاب مكتشفا أعماقه، وسابرا أغواره فلا سبيل له سوى أن يتحدث كما ذكرت. أحب في هذه التدوينة أن أتحدث عن هذا الوادي والمغامرة الأخيرة التي قمت بها مع ثمانية آخرين من الأصدقاء الأعزاء بتاريخ 12/3/2010م.
.
يقع هذا الوادي في نيابة طيوي التابعة لولاية صور على مسافة 76كم من قريات ولهذا فقد تجمعنا في محطة وادي عدي واستلمت من الجميع مبالغ الاشتراك ثم انطلقنا بسيارتين. من الأمور الجميلة التي استمتعنا بها في الرحلة هو وجود أجهزة الوكي توكي التي جلبها أحد الشباب فكنا على تواصل مستمر عبر هذا الجهاز وحقيقة استمتعنا بالطريقة الجميلة التي كان صاحب الجهاز يستعمله بها والأسلوب الفكاهي الذي كان يستخدمه والذي أضاف نكهة خاصة أنستنا الطريق الطويل.
.
سلكنا طريق قريات وهو غني عن التعريف. فهو طريق جميل خصوصا الجزء الذي يأخذك إلى أعلى الجبل ثم نزولا وبانحناءات شديدة. وكذلك الطريق الجديد الذي يربط قريات بصور فهو طريق جميل جدا فالجبال على جهة والبحر على الجهة الأخرى وقد صادفتنا الكثير من المسطحات الخضراء التي من الواضح أنها نتيجة للأمطار التي هطلت على هذه المنطقة مؤخرا حتى أن أجزاء كبيرة من الجبال والتلال المنتشرة كانت مكسوة باللون الأخضر.
.
وصلنا المحطة الأولى في برنامج الرحلة وهي متنزه هوية نجم وقد سبقنا البرنامج بحوالي عشرة دقائق. أما عن قصة المكان فيقال أن نيزكا كبيرا سقط منذ أمد بعيد على هذا المكان فأحدث فيه هوة كبيرة وعميقة جدا والتي خرج منها ماء البحر كما هي واضحة في الصور أدناه . طبعا حتى نصل إلى الماء كان علينا أن ننزل الدرجات الطويلة التي بنيت خصيصا لهذا الغرض. لم نمكث كثيرا في هذا المكان وخرجنا سريعا ونحن نسبق برنامج الرحلة بحوالي نصف ساعة. عندها قررنا أن نذهب لاستكشاف وادي طيوي ثم نعود إلى وادي شاب.
مناظر أكثر من رائعة صادفتنا أثناء جولتنا في هذا الوادي فالمساحات التي يغطيها الماء كثيرة جدا تتخللها الكثير من التكوينات الصخرية التي تضيف إلى المكان جمالا خلابا وسحرا جذابا وهو (أي الوادي) مناسب جدا للعائلات وذلك لكثرة الأماكن التي يمكن الجلوس فيها إضافة إلى وصول السيارات إلى هذه الأماكن الجميلة. بعد ذلك عدنا إلى وادي شاب.
.
.
المنظر التي تراه في مدخل الوادي يعد واحدا من المناظر الجميلة التي تزخر بها بلادنا الحبيبة فترى الماء ممتدا على مد بصرك وهو يتسلل بين جبلين كبيرين -مشكلا لوحة فنية جميلة ومادة رائعة للفنانين- وكأنه يدعوك لاكتشافه وسبر أغواره. الصورة المرفقة لبداية الوادي هي الصورة التي ستراها بكثرة لو بحثت في الانترنت عن مواضيع متعلقة بوادي شاب . المهم اخترنا مكانا في بداية الوادي للجلوس وصلينا الظهرين هناك وتناولنا غداءنا وبعدها أعدنا أغراضنا إلى السيارة ثم بدأنا مغامرتنا في اكتشاف أعماق وادي شاب.
.
بدأنا المشي في عمق الوادي وأخذنا معنا القليل جدا من متاعنا حتى لا يصيبنا التعب فالمشي طويل. بداية كان الطريق وكأنه طريق صخري لا ماء فيه سوى أنك بين جبلين ولكن سرعان ما بدأت ملامح الوادي الجميل في الظهور. وأثناء مسيرنا صادفتنا الكثير والكثير والكثير من المناظر الجميلة ،فغزارة الماء الموجود والشلالات الطبيعية الصغيرة المنتشرة نتيجة لكثرة الصخور المتواجدة كلها كانت مناظر تدغدغ الأبصار وتريح الأعصاب. ومع أن كل مقطع من مقاطع هذا الوادي يستحق الوقوف والتأمل في جماله إلا أننا كنا نسعى وراء هدف آخر لذلك لم نتوقف عند هذه المناظر الجميلة. من جملة الأشياء التي سعدنا بالمرور عليها هو بيت قديم تم نحته في باطن الجبل الذي كنا نتسلقه. كان بيتا واضح المعالم من حيث البناء ووضوح أماكن الغرف والمرافق التي تجعلك تفكر في ذلك الزمان وكيف كان يعيش أؤلئك الناس. تابعنا السير في هذه الطبيعة الخلابة نجتاز الصخور ونتسلق الجبل عبر طرق ليست واضحة المعلم تماما. ونتخطى الوادي من الجبل إلى الجبل ونجتاز مياهه البارده المنعشة وبعد 45 دقيقة وصلنا إلى نهاية طريق المشي ومن هناك كان علينا أن نكمل الطريق سباحة. وضعنا أغراضنا البسيطة في نهاية هذا الطريق وبدأنا السباحة. هي مغامرة رائعة وجميلة جدا أن نسبح في أعماق هذا الوادي ، اجتزنا البركة الأولى ثم أتت يابسة اجتزناها مع وخز الحصوات الصغيرة ثم أتتنا بركة أخرى سبحنا عبرها ثم يابسة وهكذا لحوالي 20 دقيقة حتى وصلنا إلى نهاية طريق السباحة حيث يوجد جرف صخري استرحنا عليه.
.
هناك تحدثت إلى الشباب عن المفاجأة التي وعدتهم بها .. أشرت إلى جبلين أمامنا تحسبهم ملتصقين تماما وقلت لهم إن بين هذين الجبلين طريقا ضيقا جدا بالكاد يتسع لشخص واحد يدخلك إلى مغارة كبيرة وجميلة هي مقصد وهدف ولب هذه الرحلة وهذه المغامرة، وفي الحقيقة فهناك طريق آخر لدخول هذه المغامرة يكون عبر الغوص تحت هذين الجبلين ولمسافة لا تتجاوز ثلاثة أمتار.
فضلنا الدخول بين الجبلين وبدأنا بالدخول واحدا بعد الآخر حتى أصبحنا جميعا داخل المغارة. منظر جميل ورائع أن تكون داخل المغارة وترى الطريق الضيق الذي دخلت عبره فيشعرك هذا بشيء من النشوة. كما أن الضوء الذي ينساب على الماء في مدخل المغارة يكسب الماء لونا جميلا جدا جدا. وأستطيع أن أجزم أن كل فرد وبمجرد دخوله المغارة قد نسي الجهد والتعب الذي لازمه طوال هذا المشي والسباحة. طبعا لم تنته المغامرة عند هذا الحد بل كان هناك المزيد ، كانت في أعلى المغارة فتحة صغيرة ينحدر منها الماء بقوة صانعا شلالا جميلا مضيفا إلى المغارة جمالا فوق جمالها. وكانت هناك حبال قد ثبتت على الطرف المائل من جدار هذه المغارة توصلك إلى هذه الفتحة فتسلق معظمنا هذا الجدار -الذي أقدر أن طوله يبلغ حوالي سبعة إلى ثمانية أمتار- بواسطة هذه الحبال وخرجنا من تلك الفتحة الصغيرة لنقف جميعا مشدوهين ومذهولين أمام ما نراه من جمال وسحر لا يمكن وصفه على الإطلاق. أحد الشباب أجاب على سؤال أحدنا عن طبيعة المكان في الأعلى؟ أجاب : هل يمكنك تخيل الجنة ؟ المكان بعد هذه الفتحة جنة حقيقية وكلامه لا يجانب الحقيقة على الإطلاق. كان أمامنا حوض ماء وكأنه حوض سباحة صافي اللون وأمام هذا الحوض بضعة صخور كبيرة ينساب منها الماء بنعومة على شكل شلالات وخلفها جبال الوادي الكبيرة. عندما رأيت هذا المنظر قلت لمن حولي : لهذا ازداد عشقا لهذا المكان في كل مرة آتي إليه. منظر لا يمكن للكلمات أن تفي حقه في الوصف فتقف عاجزة عن التعبير ولسان حالها: سبحان الله على بديع صنعه.
.
إلى هنا انتهت مغامرتنا ثم عدنا أدراجنا بنفس طريق السباحة والمشي وشعرنا جميعا بأن طريق العودة كان أقصر من طريق الذهاب ربما لأن الشمس قد خفت حرارتها أو لأننا جميعا قد ارتوت أبصارنا وسكنت ارواحنا فعدنا والنفس في ارتياح والقلب في اشتياق. أخذت منا هذه المغامرة ذهابا وإيابا حوالي ثلاثة ساعات ونصف كانت مليئة باللحظات الجميلة والمناظر الخلابة والدعابات التي لم تكن تنقطع أبدا طوال هذه المغامرة. غيرنا ملابسنا عند سياراتنا وبدأنا رحلة العودة. توقفنا في أحد المساجد للصلاة وبعدها تابعنا السير ووصلنا محطة وادي عدي حوالي الثامنة والنصف أي متأخرين بحوالي نصف ساعة عن الوقت المقدر للبرنامج.
.
.
ختاما أنصح الجميع بزيارة هذا الوادي الجميل والرائع وألقاكم في تقارير قادمة بإذن الله تعالى.
هناك تعليقان (2):
مشكور أبو زهراء على هذا التقرير الجميل والصور الرائعة ، وحقيقة فإن هذا الوادي يتميز بجماله و هدوءه وصفاء مياهه ، وتدرج ألوان المياه فيه ، الذي غن دل على شيء فإنما يدل على عظمة الخالق وقدرته .
ادام الله علينا هذه النعم .
وقد كانت لنا رحلة عائلية جميلة في هذا الوادي وكانت من الرحلات المميزة ، وأتمنى ان نعيدها مرة أخرى .
دمت بخير
منى اللواتي ( أم جعفر )
أعجبني تقريرك
يشعرني وكأني أخوض الوادي مرة أخرى
كانت رحلة مميزة جدا
أشكرك على سعيك في تنظيمها
ننتظر تقارير جديدة لرحلات أخرى
موفق أخي العزيز
إرسال تعليق